قتل عملة الـ "بن لادن" نصر كبير
الثلاثاء، 10 مايو 2016 - 10:46 ص
صحيفة: "واشنطن بوست" 8/5/2016
بقلم: لورنس سمرز
ترجمة: أحمد صالح
في أغلب الأوقات، أستغل هذا العمود لترشيح تغييرات في السياسة أعتقد أن من شأنها أن تجعل العالم مكانًا أفضل. ولكنني أستغله هذه المرة للثناء على تغيير وقع بالفعل في السياسة وأعتقد أنه سيكون ذا منافع مهمة وينطوي على دروس مهمة. أعني قرار البنك المركزي الأوروبي"ECB"الأسبوع الماضي إيقاف إنتاج ورقة العملة فئة الخمسمائة يورو، الذي أرى أنه يمثل انتصارًا لحكم العقل على صفاقة مروجي الخوف. فكما يتبيّن من بحث مهم نشره قبل شهور قليلة "بيتر ساندز" الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد وزملاء له من خريجي جامعة هارفارد فإن هذا التغيير سوف يجعل العالم مكانًا أكثر أمنًا وإنصافًا، علاوة على أنه ينطوي على دروس مهمة للمستقبل.
يكاد يكون لكل شيء في الحياة وفي السياسة العامة جوانبه الجيدة وجوانبه السيئة. فالسيارات توفر وسيلة انتقال عظيمة وتفضي في بعض الأحيان إلى حوادث مميتة. وأسواق التمويل السائل توفر منافع هائلة للمدخرين والمستثمرين لكنها قد تساق إلى مضاربات خطرة. ولكن فئات العملات الكبيرة تبرز كحالة تتقزم منافعها أمام مساوئها. إذ تقدر الوكالة البريطانية للجريمة المنظمة الخطرة أن أكثر من تسعين في المائة من الطلب على فئة الخمسمائة يورو كان يأتي من المجرمين قبل حظر تداولها في بريطانيا سنة 2010.
لا يكاد يوجد أي استخدام مشروع لفئة الخمسمائة يورو. لأن إتمام معاملة بعشرين ورقة من فئة الخمسين يورو لا يبدو عبئًا على الإطلاق، وهذا المبلغ يكاد يساوي القيمة الشرائية لألف دولار أمريكي. كما أن عشرين ورقة من فئة المائتي يورو تكاد تعادل خمسة آلاف دولار أمريكي، ومن في عالمنا اليوم بحاجة إلى نقد لمعاملة مشروعة تتكلف خمسة آلاف دولار؟ لقد تبيَّن في حقيقة الأمر للبنك المركزي الأوروبي أن ستة وخمسين في المائة من سكان الاتحاد الأوربي لم تقع أعينهم قط على فئة الخمسمائة يورو. بل إن إيطاليا جرَّمت إبرام أي معاملة تزيد على ثلاثة آلاف يورو، في حين جعلت فرنسا الحد الأقصى هو ألف يورو. وعلى كل من يتصور أن إبطال فئات العملات العالية قد يضر بعملة أي بلد أو مواطنيها أن يلاحظ أن الولايات المتحدة وكندا أوقفتا إنتاج فئة الألف دولار، وزادت الولايات المتحدة على ذلك بأن أبطلت فئة الخمسمائة دولار، دونما شكوى ملحوظة.
تأتي سياسة البنك المركزي الأوروبي في نهاية رقيقة لنطاق من السياسات الممكنة. وخلافًا للوضع في الولايات المتحدة، لم يبذل جهدًا لإيقاف استعمال الفئات الموجودة، ولن يتم إنفاذ هذه السياسة إلا بحلول نهاية 2018. وبعد هذا التصرف الذي قامت به أوروبا، ستظل تنتج فئات تتجاوز قيمتها أكثر من مثلي أعلى الفئات التي يتم إنتاجها في أي مكان في مجموعة الدول السبع الصناعية. ومن المؤكد أنه ما من بادرة على أن إبطال النقد تمامًا قد يكون مرغوبًا أو متوقعًا عما قريب.
وفي مقابل غياب أي دور مهم لفئة الخمسمائة يورو في التجارة الطبيعية، تلعب هذه الفئة دورًا مهمًّا في الأنشطة غير المشروعة، وهو ما يتضح من الاسم الشائع لها: "الـ بن لادن". وإذا كان من الواضح أن القياس صعب، إلا أن تقديرات البروفيسير الأمريكي "فريدريش شنايدر" تشير إلى أن أوراق العملة تستعمل في ثمانين بالمئة من تجارة المخدرات الدولية، وخمسين في المائة من الاتجار بالبشر، وسبعين في المائة من صفقات السلاح الصغيرة، وخمسين في المائة من صفقات الأعضاء البشرية. وتقديرات صندوق النقد الدولي وغيره تشير إلى أن حجم غسيل الأموال سنويًّا يتجاوز الترليون دولار. وللفئات النقدية الكبرى كذلك دور جوهري في تيسير التهرب الضريبي وهجرة رؤوس الأموال.
من المؤكد أنه يصعب تقدير كم ما سيتم منعه من الجرائم بإيقاف إنتاح فئة الخمسمائة يورو. ومن المؤكد أن ذلك سوف يفرض بعض الأعباء على المجرمين وقد يعوق بعض المعاملات، وهذا لا يخلو من أهمية. ولكن النقطة الأساسية هي أنه حتى الانخفاض المحدود في الجريمة مبرر لفقدان أية منفعة ممكنة تأتي من وراء فئة الخمسمائة يورو.
لقد وضعت أوروبا يدها على قضية أمنية مهمة. ولكن لا ينبغي النظر إلى موقفها هذا إلا كبداية، لا كنهاية. ولا بد أن يطالب العالم الآن سويسرا بالتوقف عن إصدار فئة الألف فرنك سويسري التي ستبرز في العالم ـ بعد القرار الأوربي ـ بوصفها العملة الكبرى، وبفارق هائل [عن أقرب عملة كبيرة إليها]. ولسويسرا تاريخ طويل ومؤسف في التمويل غير المشروع. وسيكون مأساويًا أن تستفيد من تبادل العملات الإجرامي بعد خطوة أوروبا الجريئة. ثانيا، لا بد أن توضع مسألة تيسير النشاط الإجرامي كأولوية على أجندة مجموعة العشرين. وربما يكون من المنطقي إيقاف أي فئة عملة تتجاوز قيمتها ربما الخمسين دولارًا، ومن أجل مزيد من التعاون أيضًا ربما يجدر ضمان ألا تصبح التقنيات التمويلية الجديدة مثل بيتكوين bitcoin مطايا لتيسير المعاملات غير المشروعة.
"لورنس سمرز" أستاذ ورئيس سابق لجامعة هارفارد. عمل وزيرا للخزانة في الإدارة الأمريكية من 1999 إلى 2001 ومستشارا اقتصاديا للرئيس أوباما من 2009 إلى 2010.
اخبار متعلقه
الأكثر مشاهدة
العدد الأسبوعي 702
السبت، 18 مارس 2023 08:28 م
قمة المرأة المصرية 2023 في نسختها الثانية
الإثنين، 13 مارس 2023 11:34 م
كلمة الرئيس السيسي خلال احتفالية "كتف في كتف"
الجمعة، 17 مارس 2023 09:14 م
