أخر الأخبار

×

أخر الأخبار

03 ديسمبر 2023 04:43 م

ثورتا 1919 و 30 يونيو .. سجل خالد فى تاريخ الوطنية

الثلاثاء، 04 سبتمبر 2018 - 10:46 ص

فى 23 أغسطس عام 1927، رحل عن عالمنا الزعيم الخالد سعد زغلول ـ زعيم الأمة وملهم ثورة 1919 ـ التى تُعد واحدة من أبرز الثورات في تاريخ مصر الحديث، قدّمت نموذجاً رائعاً للتلاحم الشعبي الذى جمع المصريين على اختلاف عقائدهم، وطبقاتهم، وفئاتهم، وأجيالهم، كما كانت بمثابة مثالاً بديعاً ومُلهِماً لدول العالم التي ترزح تحت نيّر الاستعمار، ومثالاً يُحتذى للثورة الشعبية التي رفعت راية التحرّر الوطني في وجه الاحتلال الأجنبي مطالبة بتحقيق الاستقلال التام .

وقد تمّخضت ثورة 1919 عن قيادة ثورية ممثّلة في "الوفد"، وزعامة شعبية حقيقية، ممثّلة في الزعيم الوطني "سعد باشا زغلول "، ليظل واحداً من أهم الشخصيات التى أسست تاريخ مصر وأسهمت فى بناء نهضتها الحديثة، ويبقى إسمه محفوراً فى تاريخ الوطن، وذكراه نبراساً ودرباً من الوطنية تسيرعليه الأجيال القادمة، ومن الجدير بالذكر أنه سوف يتم الاحتفال بمرور مائة عام على هذه الثورة  العظيمة فى 9 مارس 2019 .


أولاً: سعد زغلول .. قائد الحركة الوطنية فى مصر

وُلد سعد زغلول في عام 1858 ببلدة أبيانه، التابعة لمديرية الغربية سابقاً وكفر الشيخ حالياً، حيث نشأ في أسرة متوسطة الحال، فكان أبوه إبراهيم زغلول عميد بلدته ومن أثرياء الفلاحين فيها، غير أن والده توفي وهو في السادسة من عمره، فتعهد بتربيته خاله، وألحقه بالكُتاًب ليتعلم مبادئ القراءة والحساب، ثم دفع به إلي الأزهر ليتلقي علوم الدين، وتأثر أثناء هذه الفترة بالشيخ جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، والذي اختاره ليساعده في تحرير صحيفة "الوقائع المصرية" فانتفع زغلول كثيراً بصحبة الشيخ والعمل معه .

مارس زغلول المحاماة تسع سنوات فأبدع ولمع اسمه وعظم شأنه في أوساط القضاء، وكان يدافع عن الفقراء بغير مقابل، وفي عام 1892 عُيّن في وظيفة نائب قاضٍ في محكمة الاستئناف، فكان أول محام في مصر يُعين قاضياً، وبقي في القضاء أربع عشرة سنة .

قامت السلطات البريطانية الحاكمة في مصر آنذاك بتعيينه وزيراً للمعارف في نوفمبر 1906، وبقي فيها أربع سنوات وضع خلالها الأساس الراسخ الصحيح لنهضة التعليم الوطني وجعل اللغة العربية لغة التعليم بدلاً من اللغة الإنجليزية، وأكثر من دور المعلمين ومكاتب القرى وفتح باب المجانية لتعليم الفقراء وأنشأ مدرسة القضاء الشرعي، ثم انتقل سعد في فبراير عام 1910 إلى الحقانية حيث عُين ناظراً للحقانية (أي وزيراً للعدل)، فعمد إلى إصلاح القضاء وعزز كرامته وأنشأ نقابة للمحامين .

برز سعد زغلول كزعيم للأمة المصرية مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، وطالب بتشكيل وفد من المصريين لحضور مؤتمر الصلح في باريس لعرض قضية استقلال مصر، فرفضت سلطات الاحتلال البريطاني ذلك واعتقلته ونفته في 8 مارس 1919 إلى خارج البلاد ـ في جزيرة مالطا ـ  فانفجرت الثورة التي كرست لزعامة سعد زغلول والتمكين لحزب الوفد، وكانت سببًا في الإفراج عن سعد وصحبه وبعد تزايد حماس الناس ومقاطعتهم للبضائع الإنجليزية تم القبض عليه مرة أخري، ونفي إلي جزيرة سيشيل فازدادت الثورة اشتعالاً حاولت إنجلترا القضاء على الثورة بالقوة، ولكنها فشلت.

ومن أشهر اقواله: "الحق فوق القوه والأمه فوق الحكومة"، و"إن اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية" .


ـ بيت الأمة .. متحف سعد زغلول

يقع متحف بيت الامة بدار الزعيم المصريسعد زغلول  بميدان سعد زغلول ، الذي صُمم بمزيج من الفن القديم والحديث، ويحيط بالبيت حديقة واسعة مزروعة بالنخيل والأشجار يتقدمها تمثال سعد زغلول الذى يقع أمام المنزل الذي عاش فيه مع رفيقة دربه صفية زغلول ابنة رئيس الوزارء الأسبق مصطفى فهمى باشا

وقد أوصت السيدة صفية زغلول أن يتحول المنزل إلى تحفة فنية يقصدها الجميع، وعلى الرغم من إغلاقه لسنوات بعد وفاتهما إلا أنه افتتح مرة أخرى وتم تنظيفه وترتيبه في 1946، وكان تابعاً للدولة ، ثم افتتح وأعيد ترميمة وطلاءه بنفس الألوان التي كان مطليا بها، وافتتح للجمهور في عام 2003. ويضم هذا المتحف متعلقات الزعيم سعد زغلول وقطع الأثاث كما كانت عليه في حياة سعد، وكذلك المكاتب والخزانات والمقاعد، وغرفة تناول الطعام التي إلى تحتوى على الأدوات والفضيات والأطباق، كذلك يوجد عدد من الأكواب التي تحتوى على صور للزعيم  سعد زغلول  بالألوان، وكانت قد اهديت له .

ويتكون المنزل من طابقين وأجنحة تحتوي على العديد من الغرف التي من أهمها، غرفة الصالون الصغير وغرفة الصالون الكبير التي كان يستقبل فيها سعد زغلول ضيوفه ووفوده ويعقد فيه إجتماعاته الهامة، وإلى جانبه توجد غرفة الصالون الشتوى، أما الجناح الأيمن فهو يشمل غرفه الطعام والجناح الثانى فهو للمعيشة، ويسمى بـ"الحرملك " ، كما يتكون الطابق الثانى من "جناح للنوم".

هذا بالإضافة إلى مجموعة من الملابس التي ارتداها  في المناسبات الهامة ونياشينه ومسبحته، ومن بين آثار الزعيم، الملابس التي كان يرتديها حينما وقع عليه الاعتداء فى صيف 1924، كما يضم المتحف الكثير من الصور التى توثق لحياة الزعيم الراحل    وزوجته.

فى مواجهة المنزل يقع ضريح سعد زغلول الذي بنى عام 1931 ليدفن فيه زعيم الأمة وهو مبنى على الطراز الفرعوني لإتاحة الفرصة لكافة المصريين والأجأنب لزيارته، وقد أعيد ترميمه وأصبح على الخريطة السياحية للعاصمة .

ـ صفية زغلول .. أم المصريين

ولدت صفية زغلول لعائلة ارستقراطية، عام 1878، وتوفيت في 12 يناير عام 1946 تاركة نموذجاً نسائياً رفيعاً للمصريات وقد ساهمت بشكل فعال في تحرير المرأة المصرية إلى جانب هدى شعراوى.

وتظل صفية زغلول رمز من رموز ثورة   1919، دعت النساء للخروج لـ"الشوارع"، عرفت بـصفية زغلول نسبة إلى زوجها سعد زغلول، كما لقبت بـ"أم المصريين"، وسلكت صفية طريقًا غير تقليديًا في حياتها عندما تزوجت وهي ابنة  مصطفى باشا فهمي، رئيس وزراء مصر وقتها رجلًا من عامة الشعب وهو سعد زغلول، كما فاجأت الجميع عندما خلعت "اليشمك" عام 1921 وتقدمت صفوف الثوار المصريين أثناء حياة زوجها وبعد وفاته .

فقد كانت مشاركة النساء في ثورة  1919 مع الرجال لأول مرة مطالبات باستقلال البلاد ملمح شهير لتلك الثورة التي كان الزعيم سعد زغلول ملهمها، ولكنه لم يقدها بنفسه فقد كان في المنفى، حيث خرجت على رأس مظاهرة نسائية في ثورة 1919، من أجل المطالبة بالاستقلال وبسبب عطائها من أجل القضية الوطنية حين حملت لواء الثورة عقب نفى زوجها الزعيم سعد زغلول وقد أصدرت بيانا قرأته سكرتيرتها على الحشد المجتمع أمام بيت الأمة جاء في بعض منه: «إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعداً فإن شريكة حياته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وإن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أماً لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية».

وبعد أن ألقت السكرتيرة هذا البيان على المتظاهرين هتف أحد قادة المظاهرة قائلاً: «تحيا أم المصريين»، ومن يومها اكتسبت السيدة صفية زغلول ذلك اللقب الوطنى «أم المصريين».

ثانياً: ثورة 1919 .. علامة فارقة فى تاريخ النضال الوطنى

اندلعت الثورة فى التاسع من مارس 1919 عندما خرجت الجماهير للشارع احتجاجا على اعتقال ونفى سعد زغلول وزملائه، واستمرت الجماهير فى الشارع لعدة شهور ، غير أن خروج الجماهير إلى الشارع لم يكن سوى انعكاساً لسلسلة طويلة من المقدمات والأحداث والتفاعلات أكدت معانى الوطنية التى جسدتها الثورة على النحو التالى:

ـ الواقع المصرى قبيل الثورة:

اشتعلت الثورة فى عام 1919 ليس فقط بسبب المعاناة التى تحملها المصريون فى سنوات الحرب العالمية الأولى التى فرض عليهم خوضها إلى جانب دولة الاحتلال، وإنما أيضاً تعبيراً عن الظلم والاستغلال الذى تعرض له هذا الشعب خلال تلك الفترة، ففي الريف كانت تصادر ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحصول لأجل المساهمة في تكاليف الحرب، كما حرصت السلطات العسكرية على إجبار الفلاحين على زراعة المحاصيل التي تتناسب مع متطلبات الحرب، وبيعها بأسعار قليلة. وتم تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين بشكل قسري للمشاركة في الحرب فيما سمي بـ "فرقة العمل المصرية" التي استخدمت في الأعمال المعاونة وراء خطوط القتال في سيناء وفلسطين والعراق وفرنسا وبلجيكا وغيرها، كما نقصت السلع الأساسية بشكل حاد، وتدهورت الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن، وشهدت مدينتي القاهرة والإسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب، ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم في التخفيف من حدة الأزمة، كذلك تعرض العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب إعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التي تحرم التجمهر والإضراب .

ـ نمو الوعى الوطنى لدى الجماهير:

كان لمبادىء الرئيس "ولسن" أثرها فى التمهيد للثورة، بما أعلنه من حق الشعوب فى تقرير مصيرها ، كما كان لجهاد الحزب الوطنى الفضل الكبير فى تهيئة البلاد لها، وذلك بما بثه من روح الوطنية الصادقة، وما غرسه مصطفى كامل ومحمد فريد وأنصارهما وتلاميذهما فى نفوس الجيل من المثل العليا، بحيث صارت فى عام 1919 على استعداد لأن تبذل كل تضحية فى سبيل تحقيق الاستقلال.

ومن هنا جاءت ثورة 1919 انعكاساً لحالة من النضج الاجتماعى والثقافى والسياسى الذى حققته مصر والتى تواكب معها نمو الوعى الوطنى لدى الجماهير، لقد اشتعلت الثورة بعد أكثر من مائة عام من إدخال التعليم الحديث إلى مصر، وبعد سبعين عاماً من قيام رفاعة الطهطاوى بتأليف تخليص الإبريز فى تلخيص باريز، وبعد أكثر من أربعين عاما على إتاحة التعليم للنساء، وبعد عشرين عاما من قيام قاسم أمين بتأليف كتابيه تحرير المرأة والمرأة الجديدة، وبعد أن ازدهرت فى مصر الصحافة الحديثة لعدة عقود، وبعد أن تأسست فى مصر الأحزاب السياسية، وكان الحزب الوطنى وحزب الأمة قطبى السياسة المصرية، كما جاءت بعد تأسيس الجامعة المصرية، وهى أول جامعة حديثة فى الشرق الأوسط وإفريقيا .

ـ تأسيس الوفد المصرى المطالب باستقلال مصر:

بدأت الأحداث التى قادت إلى الثورة فى 11 نوفمبر 1918 يوم إعلان الهدنة التى أنهت الحرب العالمية الأولى، وترديد العالم مبادئ ويلسون الأربعة عشرة علي اعتبار أنها ستنصف الشعوب المقهورة استناداً إلي مبدأ حق تقرير المصير، ذهب زعماء مصر يرأسهم سعد زغلول إلي المندوب السامي البريطاني "ونجت" للحصول علي موافقتة علي السفر إلي باريس لعرض قضية استقلال مصر علي مؤتمر الصلح .

وفى ذلك الوقت عندما طلب سعد زغلول وزميلاه عبد العزيز فهمى وعلى شعراوى تحديد موعد لمقابلة المندوب السامى البريطاني، كان الرجال الثلاثة أعضاء فى الجمعية التشريعية التى عطلها الاحتلال، والتى كان سعد زغلول وكيلا منتخبا لها، ومن هنا جاءت شرعية مطالبتهم بالحق فى التحدث باسم الأمة.

 وفى الثالث عشر من نوفمبر التقى سعد ورفيقاه المندوب السامى البريطاني، وطالبوا باستقلال مصر، شكك المندوب السامى البريطانى فى أهلية سعد ورفاقه للتحدث باسم مصر، فاتفق الرأى فى نفس يوم 13 نوفمبر على تأسيس الوفد المصري، وبدأوا جمع التوقيعات على صيغة توكل الوفد للسعى بالطرق السلمية المشروعة فى سبيل تحقيق استقلال مصر استقلالا تاما، وانضم للوفد بعد توسيعه أقباط وممثلون لحزب مصطفى كامل "الحزب الوطني"، فكانت هذه لحظة ميلاد الوحدة الوطنية المصرية، وهوية مصر القومية .

ـ استقالة وزارة حسين رشدي:

نسق حسين رشدي أثناء ثورة 1919 مع سعد زغلول ضرورة سفر وفد حكومي لعرض المطالب الوطنية، ولكن سلطات الاحتلال لم توافق فقدم حسين رشدي استقالته، والتى جاءت احتجاجاً علي عدم السماح للوفد بالسفر إلي مؤتمر الصلح في باريس، وأيضاً عدم السماح لحسين رشدي ووزير المعارف عدلي يكن بالذهاب إلي لندن لمناقشة آمال مصر في الاستقلال مع الحكومة البريطانية، وكان قبول استقالة وزارة حسين رشدي الوطنية من السلطان فؤاد إيذاناً بالقطيعة بين السلطان فؤاد والوفد بزعامة سعد زغلول، فقد أرسل الوفد خطاباً قاسياً للسلطان فؤاد فيه كثير من التأنيب علي قبول استقالة حسين رشدي وكان الأولي بالسلطان فؤاد أن يقف بجانب الوزارة المتمسكة بحق مصر في عرض قضيتها و آمالها في الاستقلال.

ـ نفى سعد زغلول وتصاعد أحداث الثورة:

انتهز الإنجليز الفرصة و قاموا في 8 مارس 1919 باعتقال سعد زغلول  ومحمد محمود وحمد الباسل و إسماعيل صدقي وساقتهم إلي ثكنات قصر النيل و منها إلي بورسعيد ثم نفتهم إلي  جزيرة مالطة .

ما كاد نبأ اعتقال ونفي سعد زغلول وزملائه يسري بين الشعب حتي اندلع لهيب الثورة يوم 9 مارس في القاهرة و المدن الكبري ثم القري، وخرجت المظاهرات الطلابية لتجوب شوارع القاهرة هاتفة بالاستقلال منادية بسقوط الحماية، وتصدت لها السلطة العسكرية البريطانية بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، ولم يرهب المتظاهرون القتل واستمروا فى مظاهراتهم، وانضمت لهم طوائف الشعب كافة ومن بينهم الفلاحين والعمال، ومن بينهم عمال السكك الحديدية الذين كان يزيد عددهم عن 4,000 عامل، قاموا بقطع السكك الحديدية و الخطوط التلغرافية لمنع اتصال قوات الإحتلال بانجلترا،   كما تم تعطيل الأسلاك البرقية والتليفونية واضطرب البريد، وتعطلت المواصلات فى جميع النواحى وأنشأت القوات البريطانية محاكم عسكرية وكانت تصدر أحكامًا بالحبس أو الجلد أو الغرامة .

واستمرت المواصلات معطلة، وكانت الأحياء الوطنية العامة كحي الحسين والسيدة زينب وباب الشعرية والجمالية تشهد تظاهرات قوية، وأقيمت الحواجز والمتاريس في هذه الأحياء لتعطيل سير المدرعات البريطانية، وحفر الثوار خنادق عميقة بالشوارع في الملحمة التي قادها الشعب المصري، كما انتشرت الثورة من القاهرة إلى الدلتا والأقاليم فقلدت العاصمة فى مظاهراتها وإضرابها ،  وشاركت أيضاً المرأة المصرية كما توحد المسلمون والمسيحيون  فى الثورة، ولم يعد هناك مكان إلا ويضج بالثورة الوطنية .

بعد نحو شهر من ثورة المصريين المشتعلة، وعدم اكتراثهم بالإنذارات والتهديدات البريطانية التي تطوّرت إلى قمع وحشي، بدأ الاحتلال بإطلاق النار على المُتظاهرين، وانتهى بمحاكماتٍ عسكرية في الشوارع، وإزاء اتساع نطاق الثورة والعجز عن إخمادها، رضخت سلطات الاحتلال البريطاني لإرادة المصريين، وقررّت الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه في 7 أبريل 1919 وفتح أبواب السفر إلى أوروبا أمام المصريين، كما استدعت الخارجية البريطانية ونجيت، وحل محله لورد اللنبي الذي استغل الفرق البريطانية للسيطرة علي الثورة، و حدثت صدامات بين الثوار والقوات الإنجليزية، وقتل عدد غير قليل من المصريين في هذه الصدامات .

و في النهاية تراجعت إنجلترا و قامت بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، و أعلنت أنها مستعدة للتفاوض بشأن استقلال مصر، وسمحت لوفد سعد زغلول بالسفر إلي أوروبا، ولكنهم وجدوا الأبوب موصدة أمامهم، فقد وافقت الدول الكبري علي الحماية البريطانية علي مصر، و لم يسمح لمصر عرض قضيتها، فعاد المصريون إلي الثورة وازداد حماسهم، وقاطع الشعب البضائع الإنجليزية، فألقي الإنجليز القبض علي سعد زغلول مرة أخرى، ونفوه ثانية إلي جزيرة سيشل في المحيط الهندي (سيلان حاليا)، فازدادت الثورة اشتعالا، وحاولت إنجلترا القضاء على الثورة بالقوة، ولكنها فشلت.

ـ تصريح 28 فبراير 1922 .. خطوة فى طريق الاستقلال:

اضطرت انجلترا بسبب اشتعال الثورة الي إعطاء مصر بعض حقوقها فكان إصدار تصريح 28فبراير 1922 الذي نص على: إلغاء الحماية البريطانية على مصر، وإعلان مصر دولة مستقلة، وتهيئة البلاد للحياة الدستورية ولكنها احتفظت بـ"التحفظات الأربعة"،مما كان له أكبر الأثر فى إصدار أول دستور مصري سنة 1923، وإجريت الإنتخابات وفاز فيها حزب الوفد بزعامة سعد زغلول وتم تشكيل أول وزارة برلمانية برئاسته عام 1924 ، كما شغل المصريون العديد من المناصب الحكومية بدلا من الأجانب، وتم إلغاء وظائف المستشارين الإنجليز، وإعادة وزارة الخارجية المصرية تبادل مصر التمثيل السياسى مع الدول، ثم استقالت وزارة سعد زغلول بسبب حادث مقتل السيرلى ستاك ورفضه مطالب الإنجليز، ثم  قام إسماعيل صدقى بإصدار دستور 1930 وإلغاء دستور 1923 ولكن معارضة الشعب أجبرت الملك فؤاد على إعادة دستور 1923  

معاهــــدة 1936 .. مزايا عديدة:

 أدى تصاعد الموقف الدولى عام 1935 بسبب استيلاء إيطاليا على الحبشة (أثيوبيا) إلى عقد معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، والتى أسفرت عن تحقيق العديد من المزايا لمصر أهمها: إنتهاء الإحتلال البريطانى لمصر ماعدا منطقة قناة السويس، إلغاء الإمتيازات الأجنبية، دخول مصر عصبة الأمم، عودة إدارة السودان مشتركة وعودة الجنود والموظفين المصريين.

 كما كان لها أيضاً مساؤى وهى : بقاء القوات البريطانية في منطقة قناة السويس، وضع الموانى والمطارات والمواصلات المصرية في خدمة بريطانيا، الزام مصر بإنشاء الثكنات والطرق والكبارى والسكك الحديدية اللازمة للقوات البريطانية، إقامة تحالف دائم بين مصر وبريطانيا
هذا وقد نفذت مصر في الحرب العالمية الثانية الالتزامات التى فرضتها عليها معاهدة 1936 كما تدخلت إنجلترا في شئون مصر الداخلية في حادث 4 فبراير 1942.

 قام النقراشى باشا بعرض قضية مصرعلى مجلس الأمن عام 1947 ولكنه فشل في حل القضية،  
وأعلن مصطفى النحاس باشا إلغاء معاهدة 1936 واتفاقية الحكم الثنائى فى السودان في 8 اكتوبر 1951ـ هذه الاتفاقية التى كانت قد عقدت عام 1899، ونصت على أن تكون إدارة السودان مشتركة بين مصر وبريطانيا، كما توترت العلاقات بين إنجلترا ومصر وقامت حرب الفدائيين في منطقة القناة ثم أحداث 25 يناير 1952م، وحريق القاهرة في 26 يناير 1952 مما مهد لقيام ثورة 23 يوليو 1952

ثالثاً: ثورة 1919 .. آفاق جديدة من الإبداع الفنى

تأثر مجال الابداع الفنى والأدبى فى الثورة وتفاعل معها، وساهمت الأعمال الابـداعية فى الحشد لها والتعبير عنها وإيصال رسالتها للجماهير،  كما كانت التغيرات المجتمعية التى أحدثتها الثورة فى مصر دافعا لتطور الإبداع الأدبى والفنى فى مجالات الشعر والموسيقى والغناء والفن التشكيلى.

ظهر من خلال ثورة 1919 مدى العلاقة بين الفن بصفة عامة، والفلكلور (الأدبيات الشعبية) بصفة خاصة والثورة، وخاصة فى مجالى الموسيقى والغناء والفـــن التشكيلى، من خلال أعمال الكثير من المبدعين والفنانين، حيث بدأ سيد درويش فى الغناء والتلحين عدة سنوات قبل الثورة، إلا أنه مع قيام الثورة وصل بإبداعاته إلى مستوى غير مسبوق،  فجاء فنان الشعب سيّد درويش عبر ألحانه وصوته ليجسد مطالب الثورة، وكان أبرزها نشيد مصر الوطنى الحالي  "بلادي بلاديمن تأليف الشيخ يونس القاضي والمأخوذ عن خطاب الزعيم مصطفى كامل، إضافة إلى الأغنيتين: "قوم يا مصري" و"أنا المصري كريم العنصرين"، كما غنى "أهو دا اللى صار وآدى اللى كان"، و" هز الهلال يا سيد"، وأيضاً " يا بلح زغلول" عندما منعت سلطات الاحتلال البريطانى ذكر اسم سعد زغلول، والتى غنتها نعيمة المصرية فى أول مرة تغنى فيها امرأة أغنية وطنية

ويعد تمثال نهضة مصر ثمرة أخرى من ثمار التفتح الفنى الذى أطلقته ثورة 1919، فقد بدأ محمود مختار العمل على نسخة مصغرة لتمثال نهضة مصر منذ عام 1917، وعندما رأى سعد زغلول وزملاؤه هذه النسخة المصغرة معروضة فى باريس، قرروا دعم صاحبها ودعوته لتحويلها إلى التحفة الفنية الكبيرة الموجودة الآن فى ميدان النهضة، وقد عبر سعد زغلول عن إعجابه بالتمثال فى رسالة بخط يده بعثها لمختار أشاد فيها بالعمل وبالمعنى الرمزى الذى يحمله.

الفنان محمود سعيد هو أيضا من ثمار ثورة 1919، سافر محمود سعيد لباريس فى نفس عام نشوب الثورة، وهناك انشغل بمتابعة أخبار الثورة ومدارس الفن التشكيلى المختلفة، فأنتج لنا أفضل تصوير لوجوه المصريين وحياتهم، فى شغف ظاهر بهذا البلد وشعبه، فأنتج لوحات بنات بحري؛ وبائع العرقسوس؛ وبنت البلد؛ والدراويش - التى تعد أغلى لوحة رسمها فنان فى الشرق الأوسط .

كما عبر المسرح المصرى عن وطنيته بمشاركته ثورة 1919م، من خلال تحريك المشاعر الوطنية لدى الأمـة، فهب محمد تيمور مع سيد دروش لتقديم الأوبـريت المعرب «الزوجة الثانية عشر»، وشارك «يوسف بك وهبى» فى تدشين ثورة 1919م من خلال تكوين فرقته الشهيرة، التى عبرت عن طموح الأمــــة المصرية، والتى ساهمت بشكل كبير فى حفظ التراث الفلكلورى، كما وثقت الأعمال الروائية فيما بعد الثورة وأبرزها «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، و"ثلاثية القاهرة" التى تضم" السكرية ـ بين القصرين ـ قصر الشوق" وهى أحد أبرز الروايات للكاتب الكبير نجيب محفوظ التي تروي حال مصر ما قبل ثورة 1919م، وما بعدها وكيف أثر الإحتلال البريطاني على مصر سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، وتسجل الحياة في مصر من تطور إجتماعي وحراك سياسي، كما تعد رواية  "قنطرة الذى كفر" من أجمل وأرقى الأعمال الإبداعية ، حيث تعد أول رواية مصرية كتبت كاملة بالعامية المصرية وتدور أحداثها فى حقبة إرهاصات ثورة 1919م .

                                       رابعاً:. ثورتا 1919 و30 يونيو .. أوجه التشابه

حفل تاريخ النضال الوطنى بالعديد من الثورات التى تطالب دوماً بما هو أفضل للوطن وتحقيق المزيد من الإصلاحات، ولا يمكن لثورة أن تغض من مكانة أو تأثير ثورة أخرى، وتعد ثورة 1919 هى البدایة الحقيقية للعدید من الثورات المستنیرة فى المجتمع المصرى، كما كانت ة ثورة 30 يونيو 2013 آخر الثورات التى مر بها الشعب المصرى والتى  تلاقت  مع ثورة 1919 وجمع بينهما العديد من أوجه الاتفاق والتشابه، وأبرزها مايلى:

ـ مشاركة جميع فئات الشعب:

 فى ثورة 1919 خرجت جميع طوائف الشعب،  فقد كانت ثورة شعبية بحق، شارك فيها العمال والطلبة و الفلاحين، حتي المرأة خرجت في المظاهرات فهزت المجتمع بجرأتها ووطنيتها. و أنقض الفلاحون علي خطوط السكك الحديدية و البرق فقطعوها، كما شهدت الثورة تلاحماً كبير بين مسلمي ومسيحي مصر، فهي المناسبة التي اعتلى فيها القمص سرجيوس لمنابر الأزهر الشريف من أجل إلقاء خطبة في المحتشدين بالجامع، كما أرسل الأزهر عددا من الشيوخ ليخطبوا من على منابر الكنائس المصرية  .

وجاءت ثورة 30 يونيو 2013 لتعيد إلى ذاكراتنا هذا التلاحم الشعبى فى سبيل تحقيق إرادة الوطن، وكان اهم مايميزها أنها ثورة كل المصريين ساند مطالبهم جيش قوى يعرف معنى الوطنية جيداً، كما لم تكن مثل الثورات التقليدية التى يقودها فى الغالب النخبة بل شارك فيها جميع أفراد الوطن مثقفون وعمالا وفنانون وفلاحون الجميع تكاتفوا لانقاذ مصر من الجماعة الإرهابية، وهى بذلك تعد الثورة الأولى ضد المتاجرين بالدين .

ـ توقيع استمارات لدعم مطالب الثورة

تلاقت أيضاً ثورتى 1919 و30 يونيو فى الاهتمام والحرص على جمع تفويضات وتوكيلات لدعم وتحقيق الحرية والاستقلال، حيث بدأت شرارة ثورة 1919 عندما قام سعد زغلول ورفاقه من الوفديين بعمل حملة لجمع التوقيعات من أجل تمثيل الشعب المصري في مؤتمر باريس للسلام وعرض القضية المصرية عالمياً، والمطالبة بالانفصال عن الحماية الإنجليزية التي كانت مفروضة على مصر حتى تكون لسعد زغلول صفة الوكالة عن الشعب في المطالبة بحقوقه ، بدأت حملة توقيعات علي عرائض بتوكيل سعد و أصحابه. و أشعلت حركة توقيع التوكيلات المشاعر الوطنية و أصبح الشعب في مواجهة سلطات الاحتلال.

وفى 30 يونيو أعاد "شباب تمرد" ذكريات ثورة "1919" بأمجادها وقوة المشاركين فيها، حينما التفت جموع الشعب وقتها حول هؤلاء الشباب لتوقيع استمارات نهاية حكم الإخوان الإرهابية، كما استغل المصريون الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل الفيس بوك وتويتر استغلال إيجابى خلال ثورة 30 يونيو العظيمة، وكان لإرادة المواطنين وعظمة شباب الوطن والدولة المصرية اليد العليا فى تحقيق آمال الوطن .

ـ دعم واستقلال القرار الوطنى

 أهم ما في ثورة 1919 هو التعامل مع ملف استقلال مصر كقضية محورية، وقد ظلت الثورة بعد ذلك تمثل الفزاعة التي يخاف منها الإنجليز و يخشون تكرارها، مما جعلهم مستعدون لتقديم مزيد من التنازلات في موضوع الاستقلال، كما أن مطالب سعد زغلول في الاستقلال كانت تمثل أعلي درجات الاستقلال، ويقابلها في نفس الوقت عرض بريطانيا الذي كان يمثل أقل درجات الاستقلال الذي ترغب بريطانيا في إعطائه لمصر، ومع تضامن كل فئات الشعب مع مطالب سعد وانتشار روح الوطنية والتوحد خلف قائد واحد، جاء كل ذلك ليعطي وزناً  أكبر لدرجة الاستقلال التي يتبناها سعد، وأجبرت بريطانيا على أن تعلي من سقف تنازلاتها لتصل إلي نقطة الالتقاء مع أي حكومة مصرية تقبل التفاوض معها .

وهو أيضاً ما أفرزته ثورة 30 يونيو فى التأكيد على دعم واستقلال القرار الوطنى،  والذى ترتب عليه تطورات هامة وأحدث تغييرات كبيرة على مستوى مستقبل الدولة المصرية ومحيطها الاقليمى والدولى، خاصة فيما يتعلق باستعادة الدولة علاقاتها الدولية مع الدول الكبرى مثل الصين وأمريكا وبريطانيا وروسيا وصناع القرار بالمجتمع الدولى، كما أن ثورة 30 يونيو أعادت مصر الى مكانها الطبيعى فى قيادة الأمة العربية والاسلامية حيث عملت الجماعة الارهابية والرئيس المعزول محمد مرسى على عزل مصر عن محيطها العربى والإقليمى وتعمد الإساءة الى الدول الشقيقة التى تربطنا بهم علاقة قوية مثل دول الخليج والكثير من الدول التى تربطنا بهم علاقات اقتصادية هامة من أجل سهولة السيطرة على الوطن .

ـ مشاركة واسعة للمرأة المصرية

 

تعد مشاركة المرأة في ثورة 30 يونيو شبيهة بمشاركتها الفعّالة في ثورة 1919 حيث خرجت المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل لصنع مستقبل البلاد، وتجاوزت أعدادهن الـ 300، خلال المظاهرات الرافضة للاحتلال، وقدمن احتجاجًا مكتوبًا إلى السفراء "معتمدي الدول" وقتها، لتكون  ثورة سنة 1919 أول ثورة تشترك فيها النساء فى مصر، بقيادة صفية زغلول  وهدى شعراوي. كما تصدرت المرأة المصرية، المشهد وبقوة خلال أحداث ثورة 30 يونيو، ولعبت دورا مؤثرا وكبيرا لا يمكن إغفاله أو تجاهله، خلال الثورة الشعبية التي انطلقت فى جميع ميادين وربوع مصر، للإطاحة بحكم جماعة الإخوان، وتيارات الفكر الديني المتشدد، رافضة التنازل عن المكتسبات 

التي حصلت عليها طوال تاريخها، متمسكة بمبادئها وأهدافها وهويتها وهو ما جعلها تحظى بمكانة كبيرة بين أطياف المجتمع، و تأتى تلك المشاركة ترسيخا للمكتسبات التي حصلت عليها المرأة، ومحصلة للجهد الذي بُذل على مدار السنوات الماضية من قِبل مؤسسات الدولة مثل المجلس القومي للمرأة والمنظمات غير الحكومية .
ـ دور المؤسسة الدينية الداعم للثورة



برز دور الأزهر خلال ثورة 1919، فقد كان الأزهريون فى مقدمة صفوف التظاهر، ومن أكثر الطلبة جرأة وحماسة وتضحية، ومن أشد العاملين على بث روح الثورة بين طبقات الشعب، وكثيراً ما كانت المظاهرات تبدأ من الأزهر كما كانت تعقد فيه الاجتماعات غالباً وكانت تلقى فيه الخطب النارية والقصائد الحماسية ضد الاحتلال والحماية، وكان شيوخ المسلمين يخطبون في الكنائس والقساوسة يخطبون في المساجد، ضاربين بذلك كافه النزعات الدينية، موحدين دياناتهم تحت شعار الوطن.

وكان دور المؤسسة الدينية فى ثورة 30 يونيو شبيهاً بذلك الدور كداعم ومساند للدولة المصرية فى كل الأوقات وفى أحلك الظروف، حيث انحاز الأزهر إلى مطالب الشعب بقوة ووقف بجانبه، ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع فى ذلك الوقت، الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لعقد اجتماعًا فى الثالث من يوليو 2013، مع عدد من الشخصيات، بحضور البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وممثلين عن حزب النور، وحركة تمرد، لإعلان بيان عزل الرئيس الإخوانى الأسبق محمد مرسى، والذى تم بمباركة الأزهر الشريف حقنا للدماء، وإنهاء لهيمنة الجماعة التى لم تعبأ بدماء المصريين، كما عزز الأزهر من دور بيت العائلة المصرية الذي يجمع رموز الدين الاسلامي والمسيحي ونجح في وأد الفتنة الطائفية وإجراء المصالحات بين الأطراف المتنازعة في المدن والقرى بجميع أنحاء الدولة، وتضامن مع الكنيسة المصرية ضد استهداف المواطنين المسيحيين وكنائسهم، كما شارك الأزهر بممثلين عنه في لجنة اعداد الدستور الجديد للبلاد، ولم يكن الأزهر الشريف، المؤسسة الدينية التى ساندت ودعمت ثورة الثلاثين من يونيو فحسب، بل شاركتها وبقوة الكنيسة المصرية، فشارك المسيحيون والكنيسة فى ثورة 30 يونيو، وكان لحضور البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية فى صورة مشهد 3 يوليو، تجسيد حقيقي للالتحام بين الأزهر والكنيسة فى دعم إرادة الشعب المصرى بكامل فئاته وطوائفه،كما أصدرت الكنيسة المصرية العديد من البيانات التى دعت فيها جموع الشعب، إلى التحلي بالسلمية ونبذ العنف، وعدم الامتثال إلى الدعوات الهدامة، وذلك من أجل الحفاظ على الوطن.

ـ دور القائد والزعيم الشعبي

أفرزت ثورة 1919 دور سعد زغلول كزعيم وطنى لمصر ارتضته وحددت مواصفاته، لخوض ميدان الزعامة الرحب، وليصبح من أكثر زعماء مصر الحديثة شعبية ونفوذًا.. وعزز سعد زعامته باللجوء للجماهير بمطالبته بتوكيلها له، فقد أرادت مصر زعيمًا واختارت سعد، وكان سعد واعيًا بذلك الاختيار وهذه الأمانة.

وجاءت ثورة 30 يونيو لتذكر بذلك الدور وتلك الأمانة وظهر ذلك منذ خروج المظاهرات المناهضة للنظام وأثناء الاحتفال برحيله وهى تحمل صور السيسي، وهتف المتظاهرون "الجيش والشعب إيد واحدة" ودعموا السيسي على الشبكات الاجتماعية، كما غير آلاف المصريين صور صفحاتهم الشخصية إلى صورة السيسي، بينما بدأ آخرون حملة تطالب بترقيته لرتبة  مشير، وتمنى آخرون ترشحه في الانتخابات الرئاسية، وحملت الكثير من قوالب الحلوى، الشيكولاتة والقلادات حرفي "CC" ، كما ظهرت صوره في المدونات، المقالات، وبرامج التلفزيون عقدت لقاءات في وسائل الإعلام المصرية حوله، وفي 6 ديسمبر 2013، كان السيسي مرشحاً لشخصية العام على مجلة  تايم  في الاستطلاع السنوي الذي تجريه المجلة لقراءها، وبدأت الكثير من الحملات والمبادرات مثل: "كمل جميلك" و"مطلب الشعب" و"السيسي رئيساً" فى جمع توقيعات تطالب السيسى بالترشح وخوض الانتخابات الرئاسية، وهو ما نفذه استجابة لمطالب الشعب المصرى، وقد عكس التفاف الجماهير حول السيسى وحبهم له مدى الشعبية التى تمتع بها ووعيه التام بالأمانة الملقاة على عاتقه تجاه بناء الوطن وإعادة وضعه على الطريق الصحيح.

ـ دور المؤسسة العسكرية الوطنى الداعم للثورة

يعتبر الجيش المصرى هو العمود الفقرى للدولة المصرية وخط دفاعها الأول منذ نشأته على مدار التاريخ، فعلى الرغم من أن وظيفة الجيش المصرى هى حماية الوطن من أى اعتداء خارجى إلا أنه لم يتخاذل يومًا عن نصرة الشعب المصرى ضد الأنظمة الفاسدة التى حكمت مصر فى تاريخها الحديث، فالجيش المصرى لا ينتمى لأى تيار سياسى على مدار التاريخ، لأنه يضم جميع طوائف الشعب المصرى بدون تمييز أو تفرقه وولاؤه الأول والأخير للشعب، وبفضل ثورة 1919 وانتزاع معاهدة 1936 التحقت الطبقات الشعبية بالقوات المسلحة، وكان بينهم قادة ثورة 23 يوليو 1952 وبينهم جمال عبد الناصر، وقد شهدت القوات المسلحة تطورا هائلا، وتمكنت من تحرير سيناء وخوض حربى الاستنزاف واكتوبر، ثم كان تطورها النوعى تحت قيادة الرئيس السيسى لمواجهة التهديدات القائمة وخوضها الحرب الشاملة فى سيناء 2018، لتحريرها من الارهاب .

كما وقفت المؤسسة العسكرية فى ثورة 30 يونيو حامياً ومنفذاً للإرادة الشعبية التى خرجت من أجلها الملايين فى الميادين والشوارع، بعد أن كانت قد حددت مهله أسبوعًا لكل القوى السياسية بالبلاد للتوافق والخروج من الأزمة، إلا أن هذا الأسبوع مضى دون ظهور أيّة بادرة أو فعل، وهو ما أدى إلى خروج الشعب بتصميم وإصرار، وبكامل حريته لإسقاط هذا النظام فى ملحمة لن ينساها التاريخ، ثم أمهلت الجميــع 48 ساعة كفرصة أخيرة، لتحمل أعباء الظرف التاريخى وتنفيذ مطالب الشعب،  
ومع عدم تحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة تم الإعلان عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها، بمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة، دون إقصاء أو استبعاد لأحد ، لتصحيح المسار وإعادة بناء الوطن.

ـ إقرار الدستور المصرى

لم تؤتي ثورة 1919 مكاسبها على المدى القصير بل استمرت مظاهرات المصريين لأشهر طويلة إلى أن حصل الشعب على أول حقوقه والمتمثلة في إقرار دستور 1923 وإعلان البرلمان المصري، حيث أنه بعد صدور تصريح 28 فبراير بإلغاء الحماية البريطانية علي مصر، هدأت الأمور في البلاد، و قامت لجنة الثلاثين بوضع دستور البلاد الذي صدر فعلاً في 19 أبريل 1923 م ، وقد تضمن الدستور العديد من المبادئ من بينها: جميع سلطات البلاد مصدرها الأمة أي الشعب، الملك يملك و لا يحكم، للملك الحق في تعيين الوزراء وإقالتهم، للملك الحق في حل البرلمان، المواطنون متساوون في التمتع بالحقوق المدنية و السياسية و تحمل الأعباء الوطنية دون تمييز بسبب الدين أو الأصل أو اللغة، وفي 23 يوليو 1923 ألغيت الأحكام العرفية، وأطلق سراح سعد زغلول و صحبه و خاض الوفد الانتخابات في يناير 1924، فاز فيها فوزاً ساحقاً، وشكل سعد زغلول وزارة برئاسته فكان أول مصري من أصول ريفية يتولي هذا المنصب و سميت وزارة الشعب .

كذلك كانت ثورة 30 يونيو بداية الطريق لاستعادة مؤسسات الدولة، بعد ذلك الإعلان الذي أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقتما كان وزيرًا للدفاع، في 3 يوليو 2013، الذى تضمن بنوداً عشرة تمثل خارطة طريق نحو المستقبل، من بينها كان تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وتشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتاً، وبناء عليه تم تشكيل لجنة الخمسين لصياغة دستور جديد برئاسة عمرو موسى الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، وقامت اللجنة بعمل تعديلات كاملة لمواد الدستور المعطل، والذى نتج عنه نص دستوري جديد، تم إقراره من قبل الشعب في بداية 2014، وجاءت خطوة انتخابات مجلس النواب على مرحلتين في الفترة من 17 أكتوبر حتى 4 ديسمبر 2015، وفي 10 يناير 2016 أدى أعضاء البرلمان القسم الدستوري، لتمثل عودة قوية لمؤسسات الدولة .

خامساً: حزب الوفد .. دور أصيل فى تاريخ الحركة الوطنية

حزب الوفد يعد من أعرق الأحزاب المصرية على وجه الإطلاق، يحمل جزء كبير من تاريخ الحركة الوطنية حيث لعب الوفديون دوراً مهماً فى المشهد السياسى المصرى طوال القرن العشرين وعلى مدار المائة عام الأخيرة، تشكّل حزب الوفد عام 1918 وذلك بعد اعتراض المندوب السامي على مطالبة سعد زغلول باستقلال مصرلأنه لايحمل تفويضًا من الأمة المصرية، فرأى سعد زغلول أن خير وسيلة لإقامة الدليل هي تشكيل "وفد" للتفاوض مع الإنجليز، وجمع توقيعات المواطنين المصريين على نطاق واسع، وهكذا نشأ حزب الوفد المصري .

ويُعد "الوفد" الحزب السياسي الحقيقي في تاريخ مصر الحديث، حيث تمكّن من التمدّد والتشعّب بلجانه في طول البلاد وعرضها، بحَضَرها وريفها، وتمثّلت نقطة قوّته الرئيسية في أنّ تأسيسه لم يكن بقرار "فوقي" سلطوي، أو نخبوي منعزل عن الشعب، وإنّما استجابة لرغبة شعبية ووطنية جارفة، كما أنّه كان بمثابة "جبهة وطنية"، ضمّت شتّى القوى السياسية والاجتماعية التي شاركت في ثورة 1919، وعكست تشكيل الأمّة المصرية بأسرها، فقد ضمّت صفوفه المسلمين والأقباط، وكبار الملّاك من الباشوات إلى جانب العمّال، والفلّاحين

وعلى الرغم من قصر المدّة التي تولى فيها "الوفد" السلطة، إلا أنها كانت حافلة بالإنجازات، وكان أبرزها: معاهدة 1936 التي حققت استقلالاً مبدئياً لمصر، وأخرجت قوات الإنجليز من قناة السويس، وحققّت الاستقلال للجيش، وألغت الامتيازات الاجنبية عام 1937، وهو قرار استعاد سيادة مصر، وبسط سيادة الحكومة المصرية على الأجانب في التشريع، والإدارة، والأمن العام، كما أطلق مصطفى النحّاس باشا، وحكومة الوفد شرارة الكفاح المُسلح ضد الاستعمار البريطاني، بعد إلغائه معاهدة 1936 في 1951، وبدء معارك الفدائيين ضد الاحتلال في القناة

فضلاً عن ذلك، يُحسب لحكومات "الوفد" تأسيس جامعة الدول العربية، وتوقيع معاهدة للدفاع المشترك بين الدول العربية، وإنشاء ديوان المحاسبات "الجهاز المركزي للمحاسبات"، ومحكمة النقض، والبنك المركزي، واتحاد العمال، وإصدار عشرات التشريعات المنظمة للحقوق في مصر، مثل قانون العمال، ومجانية التعليم على مرحلتيْن، للتعليم الابتدائي في حكومة النحّاس في 1942، وفي حكومة النحّاس الأخيرة في 1950 لتمتد إلى التعليم، الثانوي والفني، بالإضافة إلى قوانين التأمين الإجباري علي العامل، واستقلال القضاء والتعريب.

وقد كان دور الأحزاب السياسية هاماً للغاية فى 30 يونيو 2013 حيث ساهمت فى كشف كذب وتضليل جماعة الإخوان الإرهابية وفضحت نواياهم ضد المصريين، كما كانت الأحزاب رأس حربة الثورة فى حث المصريين على ضرورة المشاركة بعد أن نكصت جماعة الإخوان جميع عهودها مع المصريين فهى لا تعرف سوى مصالحها فقط ، ولأن حزب الوفد له مكانة خاصة وحضور كبير فى حياة المصريين فهو من أعرق الأحزاب المصرية وأقدمها، والضروة كانت تقتضى ثورة حقيقية على جماعة الإخوان الإرهابية، فكان الوفد من أوائل الأحزاب التى ساندت ودعمت ثورة 30 يونيو وفضح كذب وإدعاء الإخوان وذلك من خلال المؤتمرات والندوات التى عمل الوفد على تنظيمها خلال الفترة التى سبقت 30 يونيو فى جميع المحافظات لحث المواطنين على المشاركة فى الثورة وتحدى جميع مضايقات وتهديدات الجماعة الإرهاربية، وكان هذا هو حزب الوفد الذى يظل دائماً اول من يلبى نداء الوطنية .

وأخيراً تبقى ثورة 1919 واحدة من أبرز وأعرق الثورات فى تاريخ النضال الوطنى ومسيرة الحركة الوطنية، ثورة شعبية حمل رايتها الزعيم الخالد سعد زغلول رمز الوطنية وضمير الأمة وقائدها نحو التحرر والاستقلال، ويظل حزب الوفد يدعم مسيرة الوطن بما يسهم فى تحقيق البناء السياسى والاقتصادي، خصوصًا وأن مصر تواجه العديد من التحديات ، والوطنية المصرية هى الملاذ الذى لا بديل عنه، وهو ما يقتضى بناء حزب قوى ينافس فى الساحة السياسية المصرية، له استراتيجية قوية تعتمد بالدرجة الأولى علي ثوابت الحزب العريق التى رسخ لها زعماء الوفد، وتفعيلاً للمادة الخامسة من الدستور التي تقضى بأن النظام السياسى قائم على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات،  وستظل قضايا الأمة والانتصار للمواطن فى كل قضاياه هى الأساس الرئيسى الذى يتبناه حزب الوفد، انطلاقاً من دوره فى المعارضة الوطنية القائمة على الالتزام والمسئولية وتستند إلى العمل بالقانون والدستور، بما يحافظ على الدولة الوطنية المصرية، وحقوق المواطن كاملة غير منقوصة، وذلك تنفيذاً لمبادئ الوفد خاصة مع قرب الاحتفال بمرور مائة عام على قيام ثورة 1919.

المصـــادر

ـ عبد الرحمن الرافعى، ثورة 1919 .. تاريخ مصر القومى من سنة 1914 إلى سنة 1921، دار الشعب، الرابط:https://books.google.com.eg/books?id=YFRBDwAAQBAJ&pg=PT204&lpgP

ـ رفعت السعيد،  ثورة 1919 تسعون عاما  .. الزعيم 1ـ2   ، الأهرام، 24 يناير 2009، الرابط التالى:

http://www.ahram.org.eg/Archive/2009/1/24/OPIN2.HTM

ـ ماهر حسن، «زي النهارده» في 23 أغسطس 1927.. وفاة زعيم الأمة سعد زغلول، موقع المصرى اليوم، 23 أغسطس 2017، الر ابط التالى:

https://www.almasryalyoum.com/news/details/1181267

ـ صفية النجار، الوطن في "بيت الأمة"، موقع الوطن، 23 أغسطس 2017، الرابط التالى:

https://alwan.elwatannews.com/news/details/2451645

ـ ماجد عزت، الفولكلور المصرى وثورة 1919م، موقع الشروق، 19 إبريل 2013، الرابط التالhttp://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=19042013&id=7b05d

ـ وجدى زين الدين، «أبوشقة».. والدور السياسى لحزب الوفد، موقع مصرس نقلاً عن الوفد، 29 أغسطس 2018، الرابط التالى:

https://www.masress.com/alwafd/10034822

ـ وجدى زين الدين، خريطة طريق «أبوشقة» لبناء حزب الوفد   ، موقع مصرس نقلاً عن الوفد،14 مايو 2018، الرابط:

https://www.masress.com/alwafd/10031520

ـ منة الله حسام، في ذكرى ثورة 1919.. روايات وكتب بين الدم والنفي واليقظة، بوابة الوفد، 9 مارس 2016،

ـ جابر عصفور، ثورة 1919 بعد تسعين عامًا : ثورة الأدب، بوابة الشروق، 25 يونيو 2009، الرابط التالى:http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=25062009&id=76f

ـ وجدى زين الدين، من سعد إلي البدوي الوفد تاريخ الوطنية المصرية، موقع الوفد، 29 نوفمبر 2012، الرابط التالى:https://alwafd.news/%D9%88%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%B2%D9%

ـ محمد شحتة، هكذا كان موقف الأزهر فى ثورة 30 يونيو وما بعدها، موقع صدى البلد، 29 يونيو 2018، الرابط التالى:

http://www.elbalad.news/3366789

ـ لؤى على، تعرف على دور مؤسسة الأزهر فى ثورة 30 يونيو، موقع اليوم السابع، 29 يونيو 2017، الرابط التالhttps://www.youm7.com/story/2017/6/29/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9

ـ أحمد سعيد، المرأة المصرية كلمة السر فى نجاح ثورة 30 يونيو، بوابة الأهرام، 30 يونيو 2018، الرابط التالى:

http://gate.ahram.org.eg/News/1974943.aspx

ـ محمد الإشعابى، "30 يونيو" ثورة أعادت للدولة هيبتها.. ومسار أطاح بـ"أحلام البؤساء" في تفكيك مؤسساتها، بوابة الأهرام، 30 يونيو 2018، الرابط التالى:

http://gate.ahram.org.eg/News/1975138.aspx

ـ فاطمة علام، فى الذكرى الثالثة لثورة 30 يونيو.. ننشر نص بيان القوات المسلحة بشأن مظاهرات المصريين، موقع اليوم السابع نقلاً عن موقع برلمانى، 30 يونيو 2016، الرابط التالى:

http://parlmany.youm7.com/News/9/99747/%D9%81%D9%89-

ـ عصام الشربينى، "الجيش".. كلمة السر فى الثورات المصرية   ، موقع مصرس، نُشر فى المصريون، 18 أغسطس 2013، الرابط التالى:

https://www.masress.com/almesryoon/328539

ـ أسماء التونى، 4 مشاهد نادرة من ثورة 1919 قلبت حياة المصريين رأسًا على عقب..فيديو، موقع صدى البلد، 9 مارس 2017، الرابط التالى:

http://www.elbalad.news/2660902



اخبار متعلقه

الأكثر مشاهدة

التحويل من التحويل إلى