08 ديسمبر 2023 06:55 م

رأس السنة الهجرية

الخميس، 21 أبريل 2022 - 02:58 ص

يحتفل المسلمون كل عام ببداية السنة الهجرية، وقد بدأ التقويم الهجري في عهد الخليفة عمر بن الخطاب؛ حيث جعل هجرة رسول الله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة في 12ربیع الأول (24 سبتمبر عام 622م) مرجعًا لأول سنة فيه، وهذا هو سبب تسميته التقويم الهجري، لكنه معتمد أساسًا على الميقات القمري الذي أمر الله في القرآن باتباعه كما في الآية 36 من سورة التوبة ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ والأربعة الحرم هي أشهر قمرية، وهي: رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و محرم، ولأن الله نعتها بالدين القيم فقد حرص أئمة المسلمين منذ بداية الأمة أن لا يعملوا إلا به، وعلى الرغم من أن التقويم أنشئ في عهد المسلمين فإن أسماء الأشهر والتقويم القمري كانت تستخدم منذ أيام الجاهلية. أول یوم هذا التقویم الجمعة 1 محرم 1 هـ (16 يوليو عام 622م).

يتكون العام الهجري من اثني عشر شهرًا قمريًّا أي أن السنة الهجرية تساوي 354 يومًا تقريبًا، والأشهر الهجرية مرتبةً هي :

شهر محرم، شهر صفر، شهر ربيع الأول، شهر ربيع الثاني، شهر جمادى الأول، شهر جمادى الآخر، شهر رجب، شهر شعبان، شهر رمضان، شهر شوال، شهر ذو القعدة وشهر ذو الحجة.

 

الهجرة

هاجر الرسول ﷺ إلى المدينة المنورة، مع أبي بكر الصديق بما عرف بـ "عام الهجرة". وفشلت محاولات قريش في تتبعه وإعادته، وتجلت عناية الله في الطريق، وشهدت بذلك "أم معبد" كما شهد سراقة بن مالك المدلجي حتى وصل إلى المدينة المنورة فاستقبل بفرح المؤمنين، وأنشد الأنصار: طلع البدر علينا، وأقام مسجد قباء، وحمل فيه الحجارة مع أصحابه، وآخى بين المهاجرين والأنصار، ووضع ميثاقًا عظيمًا لتنظيم العلاقة بين المقيمين من المهاجرين والأنصار واليهود في المدينة المنورة، وظهرت آثار الهجرة في مجالات التأسيس للدولة والأمة.

سميت المدينة بدار الهجرة والسنة كما في صحيح البخاري، وصارت الهجرة إليها من سائر الأنحاء الأخرى التي بلغها الإسلام تقوية للدولة إلى أن قال بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجًا: 《لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا》 (متفق عليه). وبقي معنى الهجرة في هجر ما نهى الله عنه، وبقي تاريخًا للأمة.

 

التوكل على الله :

طوال رحلة الهجرة - تلك الرحلة المليئة بالمخاطر - فمن ناحية يقف الكفار بباب النبي بالسيوف ليقتلوه، وبعدها يقفون له على مدخل غار ثور، ثم ها هو سراقة الفارس المدجج بالسلاح يدنو منه ليقتله، والرسول - صلى الله عليه وسلم – على الرغم كل هذه الظروف الصعبة متوكل على ربه.

التضحية والفداء

ضرب الصحابة  في الهجرة، رجالاً ونساءً، نماذج رائعة للتضحية بالنفس والمال فداءً لدينهم ونبيهم، فها هو علي ينام في فراشه - صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أن سيوف الكفار تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش، وها هم  آل أبي بكر عبدالله وأسماء وعائشة ومولاه عامر يقومون بأدوار بطولية، ويعلمون أنهم قد يفقدون حياتهم ثمنا لها.

 

التخطيط واتخاذ الأسباب :

على الرغم من أن النبي ﷺ كان يعلم أن الله كافيه وحسبه، فإنه مع هذا لم يكن بالمتهاون المتواكل بل أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان .

 

خط سير الهجره النبوية

المعجـزات في الهـجـرة النبـويـة

ما ذكر في السيرة النبوية عن معجزات الهجرة للنبي محمد "صلى الله علية وسلم" من مكة إلى المدينة المنورة وتلبية دعاء الرسول بتوحيد المؤمنين وهو بمكة فكان من ثمراته أن انتشر الإسلام في المدينة المنورة قبل هجرته إليها.

 

المعجزة الأولى:

لما رأت قريش أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" صار له أنصار وأصحاب من غيرهم ورأوا خروج أصحابه إليهم وأنهم أصبحوا منعة حذروا أن يهاجر إليهم محمد "صلى الله عليه وسلم" وأن يجمعوا على حربهم، كما علموا دخول الأوس والخزرج في الإسلام في المدينة، وقد هاجر إليهم عدد من أصحابه فاجتمعوا في دار الندوة؛ حيث اجتمع أشراف بني عبد شمس وبني نوفل وبني عبدالدار وبني أسد وبني مخزوم وبني سهم وبني جمح وغيرهم ولم يتخلف من أهل الرأي أحد.

 

ولما جاءوا إلى دار الندوة حسب الموعد اعترضهم إبليس في هيئة شيخ، عليه طيلسان، ووقف على الباب، فقالوا له: من الشيخ؟ قال: شيخ سمع بالذي اجتمعتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا. قالوا: أجل فادخل فدخل معهم.

ولما تكامل الاجتماع بدأ عرض الحلول ودار النقاش طويلاً، وانتهوا إلى أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نسيبًا وسيطًا ثم يعطوا كل فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدون إليه فيضربونه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه. فيستريحون منه. فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا. فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا بالعقل (الدية). فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون عليه.

 

فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره - صلى الله عليه وسلم - بمؤامرة قريش، وأن الله أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة، قائلاً: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. وذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهاجرة إلى أبي بكر وأخبره بأن الله أذن له في الخروج، فقال أبوبكر: الصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: نعم، فبكى أبوبكر من شدة الفرح، تقول عائشة: ما كنت أعلم أن أحدًا يبكي من شدة الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، فلما كانت عتمة من الليل، أي الثلث الأول، اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه، فلما رأى - رسول الله صلى الله عليه وسلم - مكانهم وعلم ما يكون منهم قال لعلي بن أبي طالب: نم في فراشي، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام في برده ذلك إذا نام.

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترق صفوفهم وأخذ حفنة من تراب فجعل يذره على رءوسهم، وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه وهو تلو هذه الآيات: (يس والقرآن الحكيم (1) إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم) إلى قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون) ولم يبق منهم رجل إلا وضع على رأسه ترابًا.

 

ومضى إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن، فأتاهم آت لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمدًا فقال: خبتم وخسرتم والله قد خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، وانطلق لحاجته فما ترون ما بكم، قالوا: والله ما أبصرناه فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليًا على الفرش مسجى ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائم عليه بُرده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا وقام علي عن الفراش فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان قد حدثنا. فسقط في أيديهم وقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري فأنزل الله سبحانه: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) وقوله: (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين).

 

إنها معجزة عظيمة أن يمر بين الرجال فلا يرونه، ويضع على رؤوسهم التراب وقد ضاعت أبصارهم فلا يبصرونه.

 

المعجزة الثانية في الغار

لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة أبي بكر في ظهر بيته ومضيا الى جبل ثور، ولما انتهيا إلى الغار قال أبوبكر: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك، وكان في الطريق مرة يمشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يارسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، مرة عن يمينك، ومرة عن شمالك، لا آمن عليك.

 

ولما دخلا الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار فسترته بفروعها، وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجًا متراكمًا بعضه على بعض، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار.

 

ولما فقد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليهم ذلك وخافوا وطلبوه بمكة أعلاها وأسفلها وبعثوا القافة (الذين يقتفون الأثر) في كل وجه يقتفون أثره فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: "لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال "ابن كثير يقول هذا إسناد حسن"، ولما كانوا أربعين ذراعًا من الغار تعجل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين وحشيتين مع العنكبوت، فقال: ليس فيه أحد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف أن الله عز وجل قد درأ عنه، وفي رواية: لما انتهوا إلى فم الغار قال قائل منهم: ادخلوا الغار، فقال أمية بن خلف: وما أربكم إلى الغار؟ إن عليه لعنكبوتًا كان قبل ميلاد محمد، ثم جاء قبالة فم الغار فقال أبوبكر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يرانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر لو كان يرانا ما فعل هذا، وقال صلى الله عليه وسلم: جزى الله العنكبوت خيرًا فإنها نسجت على الغار "جامع الأحاديث 7243".

 

وكانت هناك بعض الترتيبات الضرورية قد اتخذت قبل مغادرتهما لمكة المكرمة، ومنها: تكليف عبدالله بن أبي بكر ليعرف ما يقال في مكة ويأتيهما به حين يختلط الظلام ويعود من عندهما الفجر فيصبح مع قريش كبائت في بيته فلا يسمع أمرًا يكيدون به إلا عاد ليخبرهما به.

 

وكُلف عامر بن فهيرة مولى أبي بكر ليروح عليهما بمنحة غنم (أي مجموعة غنم)، فكان يرعاها حين تذهب ساعة من العشاء ويغدو بها عليهما فإذا خرج من عندهما تبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى لايقتفوا أثر قدميه وكان يفعل ذلك كل ليلة من الليالي الثلاث وذلك بإرشاد أبي بكر.

 

وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها إذا أمست تأتيهما بما يصلحهما من الطعام، وتسمى ذات النطاقين؛ لأنها قطعت قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب والقطعة الأخرى للسقاء فسميت ذات النطاقين، وقال لها صلى الله عليه وسلم: "أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة"، وكان أبو بكر قد استأجر عبدالله بن أريقط الليثي؛ ليدلهما على الطريق، وكان على دين قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه على جبل بعد ثلاث، وبعد مضي الثلاث جاءهما الدليل وانطلق معهما عامر بن فهيرة فأخذ بهما طريق الساحل 1ربيع أول، 16سبتمبر 622م.

 

 

المعجزة الثالثة في الطريق إلى المدينة

سلك بهما الدليل طريقًا غير معروف؛ حيث اتجه نحو الساحل ثم سلك بهما نحو الشمال، ولما أيست قريش منهما أرسلوا لأهل السواحل أن من أسر أو قتل أحدهما كان له مائة ناقة، وكان من دأب أبي بكر أن يكون خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان معروفًا فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل هاد يهديني الطريق فيفهم من كلام أبي بكر أنه يعني به الطريق وإنما يعني سبيل الخير "رواه البخاري عن أنس 556/1".

 

وتبعهم في الطريق سراقة بن مالك بن جعشم، وكان قد علم من رسل كفار قريش أنهم يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، قال سراقة: بينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني رأيت آنفًا أسودة بالساحل أراها محمد أو أصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم فقلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت، فأمرت جاريتي أن تخرج فرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت من ظهر البيت فحططت بزجة الأرض وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها فدفعتها تقرب حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام، تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغنا الركبتين فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره.

 

فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيته من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أنه قال: أخف عنا "البخاري 76/5".

 

وفي الإمتاع: لما قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخت يدا فرسه في الأرض فقال: ادع الله لي يا محمد أن يخلصني لله تعالى ولك علي أن أرد الطلب فدعا، فعاد فتبعهم فساخت قوائم فرسه أشد من الأولى فقال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله ينجيني مما أنا فو الله لأعمين على من ورائي من الطلب فدعا له فانطلق راجعًا.

 

قال سراقة: فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن معجزة سياخ قدم فرس سراقة في التراب وتحويل سراقة من محارب إلى ناصر لأمر عظيم ومعجزة واضحة.

 

ولما ظهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل المدينة جعل سراقة يقص على الناس ما رأى وما شاهد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما كان من قصة جواده واشتهر هذا عنه فخشي سفهاء مكة أن يكون سببًا لإسلام كثير منهم وكان سراقة أمير بني مدلج ورئيسهم.

 

المعجزة الرابعة في الطريق إلى المدينة

واجتازوا في طريقهم بأم معبد واسمها عاتكة وكان منزلها بقديد، وكانت امرأة (برزة تبرز للناس) جلدة تحتبي بفناء الخيمة ثم تطعم وتسقى من مر بها فسألاها هل عندك شيء؟ (أي لحم أو تمر أو لبن يشترونه) فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم القرى والشاة عازب لإنهم كانوا مسنتين (مجدبين) فنظر رسول الله إلى شاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم (لم تطق اللحاق بالغنم لما بها من الهزال) قال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها قالت: بأبي وأمي إن رأيت بها حلبًا فاحلبها، فمسح بيده ضرعها وسمى الله ودعا فدرت وتفاجأت أم معبد فدعا بإناء فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب وكان آخرها شربًا، وقال: ساقي القوم آخرهم شربًا، ثم حلب فيه ثانيًا حتى ملأ الإناء وتركه عندها ثم ارتحلوا.

 

قالت أم معبد في رواية: وكنا نحلبها صبوحًا وغبوقًا (بكرة وعشية) وما في الأرض قليل ولا كثير مما يتعاطى الدواب أكله، ولما جاء زوجها أبو معبد عند المساء يسوق أعنزًا عجافًا ورأى اللبن الذي حلبه عجب فقال: من أين لك هذا؟ والشاة عازب ولا حلوت بالبيت؟ قالت مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت ومن حاله كذا وكذا، قال: صفيه، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، متبلج الوجه (مشرقة) في أشفاره وطف (يعني في شعر أجفانه عينيه طول) وفي عينيه دعج (أي شدة سواد العينين) وفي صوته صحل (بحة) غصن بين الغصنين لا تشنؤه من طول (لا تبغضه لفرط طوله) ولا تقتحمه من قصر (لا تحتقره) لم تعبه ثجلة (عظم البطن) ولم تزر به صعلة (صغر الرأس) كأن عنقه إبريق فضة (الإبريق: السيف الشديد البريق) إذا نطق فعليه البهاء، وإذا صمت فعليه الوقار، له كلام كخرزات العظم، أزين أصحابه منظرًا وإذا نهى انتهوا عند نهيه)، قال: هذه والله صفة صاحب قريش ولو رأيته لاتبعته ولاجتهدت أن أفعل، فهذه المعجزة في شاة أم معبد واضحة جداً وعظيمة.

نجوم في هجرة الحبيب

 

هاجر الحبيب "محمد" من وطنه العزيز على قلبه لينقذ دينه من أذى الكفار وعنادهم، خرج قاصدًا يثرب التى أصبحت بوصوله إليها المدينة المنورة التي يشع نور الحق والعدل والحب منها إلى كل العالم. وفي هجرته هذه كان حوله نجوم أضاءت بالحب والشجاعة سنتعرف على بعضها.

أسماء بنت أبي بكر الصديق  "ذات النطاقين" من أشهر القصص وأحلاها في السيرة، فأسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها – هي التي كانت تعد الطعام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – وأبيها وتذهب به إليهما عندما كانا في غار ثور. قال ابن إسحاق: "وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام إذا أمست وبما يصلحهما"

وكذلك بيّنت رواية البخاري أن أسماء  صنعت لها الطعام في بيت أبي بكر وقبل الخروج إلى الغار، قالت - رضي الله عنها: "صنعتُ سفرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة. قالت: فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي، قال: فشقيه باثنين فاربطيه: بواحد السقاء وبالآخر السفرة، ففعلت. فلذلك سميت "ذات النطاقين".

"عامر بن فهيرة"

وكانت مهمَّة الصحابي عامر بن فهيرة في الهجرة مهمَّة مزْدوجة، فها هو يرعى غنَمَ أبي بكر -رضي الله عنه - نهارًا، فإذا جاء المساء ذهب إلى غار ثور حيث النبي وصاحبه ماكثان، واحتلب لهما لبنا من الغنم وسقاهما.

 ففي رواية البخاري الآنفة الذكر: "ويرعى عليهما عامر بن فُهيرة مولى أبى بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسل.."

 "علي بن ابى طالب "

قال ابن العربي في أحكام القرآن: قَامَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءً لَهُ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ مُؤْنِسًا لَهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّهُ لَنْ يُخْلُصَ إلَيْكَ ـ وَهَذَا تَأْمِينُ يَقِينٍ، وَيَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ أَنْ يَقُوا بِأَنْفُسِهِمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَهْلِكُوا أَجْمَعِينَ فِي نَجَاتِهِ، فَلَنْ يُؤْمِنَ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَالْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ وَقَى مُسْلِمًا بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ.

 


اخبار متعلقه

الأكثر مشاهدة

التحويل من التحويل إلى