08 ديسمبر 2023 07:09 م

سياحة دينية

رحلة العائلة المقدسة إلى مصر

الخميس، 21 أبريل 2022 - 10:19 م

مسار العائلة المقدسة في مصر.. رحلة معاناة ملأت الأرض بركة وجمالاًبشائر وومضات الرحلة المقدسة

في عام 1 قبل الميلاد، ظهر جبرائيل ملاك الرب لعذراء مخطوبة اسمها مريم، ليبشرها بميلاد ابن اسمه يسوع أو عيسى، وبالطبع أدرك الملاك أن خطيبها يوسف النجار سوف تنتابه الشكوك من هذه المسألة فظهر له هو الآخر وطمأنه، وكان من الواضح انشغال السماء بهذا الميلاد، فمع هذين الإثنين ظهرت رؤية لثلاثة ملوك من بلاد فارس وأنبأتهم بالخبر؛ كما ظهر ملاك لأحد أحبار اليهود وبشره بميلاد ابن له يدعي يوحنا المعمدان (النبي يحيي)، وأنبأه بأن تلك ستكون علامة لميلاد يسوع، وكانت التوراة مليئة بنبوءات قديمة تتحدث عن تفاصيل هذا الميلاد، مكانه، عما سيهديه الملوك لهذا المولود، عن رحلته لأرض مصر وكذلك عن جنون الملك الذي سيؤدي إلى هذه الرحلة.

وفي العام صفر، صدرت أوامر من أوغسطس قيصر بأنه على كل يهودي التوجه إلى الدائرة التابع لها لكي يتمكن من عمل تعداد للسكان، فاصطحب يوسف النجار خطيبته إلي بيت لحم (حيث تنبأت الكتب القديمة أن الملك سيولد هناك)، ونظرًا لأن الفنادق كانت كاملة العدد اضطرا للبيات في مذود بقر، وهو ما يعد إشارة لتواضع الملك القادم.

في طريقهم، مر ملوك الشرق بهيرودس ملك اليهود وسألوه عن مكان ميلاد الملك الطفل؛ فرحب بهم وقدم لهم الطعام والضيافة وقام بواجب الضيافة علي أكمل وجه. ولكن اضطرب قلبه خوفًا على عرشه من ذلك المولود الطفل، فجمع كل رؤساء الكهنة وسألهم: "أين يولد ملك اليهود؟" فقالوا له طبقًا للنبوءات القديمة، سيولد الملك الطفل في بيت لحم. فأوصي ملوك الشرق بأن يعودوا له بعد أن يعثروا على المولود لكي يذهب هو أيضًا ويسجد له مُقدمًا واجب الضيافة. ذهب الملوك لحظيرة البقر وسجدوا مع رعاة الغنم وقدموا هداياهم "ذهبًا"، رمزًا لملكه" و"ألبانًا"، رمزًا لآلامه على الأرض" ليظهر لهم النجم ويرحل بهم بعيدًا عن هيرودس ملك اليهود.

جن جنون هيرودس - الذي يعد واحدًا من أكثر الملوك شرًا في التاريخ - خوفًا من أن يشب هذا الرضيع ليأخذ ملكه، فأصدر أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين؛ ولكن كان الملاك قد ظهر ليوسف النجار في الحلم وأخبره بأن يأخذ الطفل ومريم إلى مصر، قائلاً: خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة هيرودس، بهذه الكلمات تحدث الإنجيل عن رحلة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء إلى مصر، التي سطّرت صفحة جديدة في تاريخها واستغرقت زيارة العائلة المقدسة في مصر 3 سنوات، وقد رصد البابا "ثاؤفيلس" البطريرك رقم 23 في كرسي الكرازة المرقسية بمصر في الفترة ما بين 385-412م وفقًا لمخطوطة " الميمر" (وهى كلمة سيريانية تعني السيرة)، أهم المحطات الرئيسية في رحلة العائلة المقدسة، بداية من "الفرما" والتي كانت تعرف بـ"البيليزيوم"، وهي المدينة الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد حاليًا، حتى جبل قسقام بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، حيث رجعا مرة أخرى إلى فلسطين بعد وفاة الملك هيرودس.

وبشكل أكثر تفصيلا يحدثنا أشعياء النبي في سفره الإنجيلي عن هذه الرحلة المقدسة فيقول: "هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها وهذا ما حدث فعندما كان السيد المسيح يدخل أي مدينة في مصر، كانت الأوثان تسقط في المعابد وتنكسر، فيخاف الناس من هذا الحدث غير المألوف ويرتعبون".

وكان دخول السيد المسيح أرض مصر بركة كبيرة لأرضها وشعبها، فبسببها قال الرب "مبارك شعبي مصر" (أش 19: 25)، وبسببها تمت نبوءة أشعياء القائلة: ".. يكون مذبحا للرب في وسط أرض مصر فهو مذبح كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية بدير المحرق العامر، حيث مكثت العائلة المقدسة في هذا المكان أكثر من ستة شهور كاملة، وسطح المذبح هو الحجر الذي كان ينام عليه المخلص الطفل.

ويقع دير المحرق في منتصف أرض مصر تمامًا من جميع الاتجاهات، كما كثرت في أرض مصر وعلى امتدادها الكنائس، خصوصًا في الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وباركتها.

مسار الرحلة:

سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ ٣٧ كم، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد.

ودخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينه الزقازيق بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠٠ كم من الشمال الشرقى وفيها انبع السيد المسيح عين ماء وكانت المدينة مليئة بالأوثان وعند دخول العائلة المقدسة المدينة سقطت الأوثان على الأرض فأساء اهلها معاملة العائلة المقدسة فتركت العائلة المقدسة تلك المدينة وتوجهت نحو الجنوب.

تم غادرت العائلة مدينه تل بسطا (بسطة) متجهه نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد - المحمة وتبعد عن مدينه القاهرة بحوالي ١٠ كم تقريبًا.وكلمة المحمة معناها مكان الاستحمام وسميت كذلك لأن العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسه وفى عودة العائلة المقدسة مرت أيضًا على مسطرد وانبع السيد المسيح، له المجد، نبع ماء لا يزال موجودًا إلى اليوم.

ومن مسطرد انتقلت شمالاً إلى بلبيس (فيلبس) مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة حوالي ٥٥ كم تقريبًا.واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم ومرت العائلة المقدسة على بلبيس ايضًا في رجوعها.

ومن بلبيس رحلت العائلة شمالاً بغرب إلى بلدة منية سمنود - منية جناح مــن منيـة سمنود عبـرت العــائلة المقـدسـة نهـر النيــل إلى مـدينة سمنـود (جمنوتى - ذبة نثر) داخـل الدلتا واستقبلهم شعبها استقبـالاً حسنًا فباركهـم السيد المسيح لـه المجـد ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت يقال ان السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها ويوجد أيضًا بئر ماء باركه السيد بنفسه ومن مدينة سمنود رحلت العـائلة المقدسة شمالاً بغــرب إلى منطقة البرلس حتى وصلت مدينة (سخا - خـاست - بيخـا ايسوس) حاليًا في محافظة كفــر الشيخ.وقد ظهر قدم السيد المسيح على حجر ومنه أخذت المدينة اسمها بالقبطية وقد أخفى هذا الحجر زمنًا طويلاً خوفًا من سرقته في بعض العصور واكتشف هذا الحجر ثانية من حوالى ١٣ عاما فقط.

واذا كانت العائلة المقدسة قد سلكت الطريق الطبيعي أثناء سيرها من ناحية سمنود إلى مدينة سخا فلا بد أنها تكون قد مرت على كثير من البلاد التابعة لمحافظة الغربية وكفر الشيخ ويقول البعض إنها عبرت في طريقها في براري بلقاس.ومن مدينة سخا عبرت نهر النيل (فرع رشيد) إلى غرب الدلتا وتحركت جنوبًا إلى وادى النطرون (الاسقيط) وقد بارك السيد المسيح وامه العذراء هذا المكان.

ومن وادى النطرون ارتحلت جنوبًا ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية متجهه ناحية المطرية وعين شمس. ومنطقة المطرية وهى بالقرب من عين شمس (هليوبوليس - اون) وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالي ١٠ كم وفى هذا الزمان كانت عين شمس يسكنها عدد كبير من اليهود وكان لهم معبد يسمى بمعبد أونياس. وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف إلى اليوم بشجرة مريم. وانبع الرب يسوع عين ماء وشرب منه وباركه ثم غسلت فيه السيدة العذراء ملابس الطفل يسوع وصبت الماء على الارض فنبت في تلك البقعة نبات عطري ذو رائحة جميلة هو المعروف بنبات البلسم او البلسان يضيفونه إلى أنواع العطور والأطياب التي يصنع منها الميرون المقدس.ومن منطقة المطرية وعين شمس سارت العائلة المقدسة متجهه ناحية مصر القديمة وارتاحت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى في طريقها لمصر القديمة.

ومرت وهى في طريقها من الزيتون إلى مصر القديمة على المنطقة الكائن بها حاليًا كنيسة السيدة العذراء الأثرية بحارة زويلة وكذلك على العزباوية بكلوت بك.

ووصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة وتعتبر منطقة مصر القديمة من اهم المناطق والمحطات التي حلت بها العائلة المقدسة في رحلتها إلى أرض مصر ويوجد بها العديد من الكنائس والاديرة. وقد تباركت هذه المنطقة بوجود العائلة المقدسة ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها الا ايامًا قلائل نظرًا لتحطم الاوثان فأثار ذلك سخط والى الفسطاط فأراد قتل الصبى يسوع. وكنيسه القديس سرجيوس (ابو سرجه) بها الكهف (المغارة) التي لجأت اليه العائلة المقدسة وتعتبر من اهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.وارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهه ناحية الجنوب حيث وصلت إلى منطقة المعادي إحدى ضواحي منف - عاصمة مصر القديمة.

وقد أقلعت في مركب شراعي في النيل متجهة نحو الجنوب بلاد الصعيد من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية لأن منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة إلى النيل في رحلتها إلى الصعيد ومنها جاء اسم المعادي ولايزال السلم الحجري الذى نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجودًا وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.

ومن الأحداث العجيبة التي حدثت عند هذه الكنيسة أنه في يوم الجمعة الموافق ١٢ مارس ١٩٧٦ م وجد الكتاب المقدس مفتوحًا على سفر أشعياء النبي الاصحاح (١٩- ٢٥) مبارك شعبي مصر طافيًا على سطح الماء في المنطقة المواجهة للكنيسة من مياه النيل.وبعد ذلك وصلت العائلة المقدسة قرية دير الجرنوس (أرجانوس) على مسافة ١٠ كم غرب أشنين النصارى - مركز مغاغة.

وبجوار الحائط الغربي لكنيسة السيدة العذراء توجد بئر عميقة يقول التقليد ان العائلة المقدسة شربت منها.مرت العائلة المقدسة على بقعة تسمى اباى ايسوس (بيت يسوع) شرقى البهسنا ومكانه الآن قرية صندفا (بنى مزار) وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة ١٧ كم غرب بنى مزار.

ورحلت العائلة من بلدة البهنسا ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنها عبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير (أكورس) شرق سمالوط ويقع هذا الدير جنوب معدية بنى خالد بحوالي ٢ كم حيث استقرت العائلة بالمغارة الموجودة بالكنيسة الأثرية. ويعرف بجبل الطير لأن الوفًا من طير البوقيرس تجتمع فيه. ويسمى أيضًا بجبل الكف حيث يذكر التقليد القبطي أن العائلة المقدسة وهى بجوار الجبل - كادت صخرة كبيرة من الجبل أن تسقط عليهم فمد الرب يسوع يده ومنع الصخرة من السقوط فامتنعت وانطبعت كفه على الصخر.

وفى الطريق مرت على شجرة لبخ عالية (شجرة غار) على مسافة ٢ كم جنوب جبل الطير بجوار الطريق المجاور للنيل، والجبل الواصل من جبل الطير إلى نزلة عبيد إلى كوبرى المنيا الجديد ويقال إن هذه الشجرة سجدت للسيد المسيح له المجد وتجد أن جميع فروعها هابطة باتجاه الارض ثم صاعدة ثانيه بالأوراق الخضراء ويطلق عليها شجرة العابد.

وتغادر العائلة المقدسة من منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية واتجهت نحو الأشمونيين (أشمون الثانية) وحدثت في هذه البلدة كثير من العجائب وسقطت أوثانها وباركت العائلة المقدسة الأشمونيين.

وارتحلت العائلة المقدسة من الأشمونيين واتجهت جنوبًا حوالى ٢٠ كم ناحية ديروط الشريف فيليس.ثم تغادر من ديروط الشريف إلى قرية قسقام (قوست قوصيا) حيث سقط الصنم معبودهم وتحطم فطردهم اهلها خارج المدينة واصبحت هذه المدينة خرابًا.

وتهرب العائلة المقدسة من قرية قسقام وتتجه نحو بلدة مير ميره تقع على بعد ٧ كم غرب القوصية وقد أكرم اهل مير العائلة المقدسة أثناء وجودها بالبلدة وباركهم الرب يسوع والسيدة العذراء.

ومن مير ارتحلت إلى جبل قسقام حيث يوجد الآن دير المحرق ومنطقة الدير المحرق هذه من أهم المحطات التي استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان بيت لحم الثاني. يقع هذا الدير في سفح الجبل الغربي المعروف بجبل قسقام نسبة إلى المدينة التي خربت ويبعد نحو ١٢ كم غرب بلدة القوصية التابعة لمحافظة اسيوط على بعد ٣٢٧ كم جنوبي القاهرة. مكثت العائلة المقدسة نحو سته اشهر وعشرة ايام فى المغارة التي أصبحت فيما بعد هيكلاً لكنيسة السيدة العذراء الأثرية في الجهة الغربية من الدير ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير كان يجلس عليه السيد المسيح. وفى هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم قائلا قم وخذ الصبى وأمه واذهب أرض اسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى.

وفى طريق العودة سلكوا طريقًا أخر انحرف بهم إلى الجنوب قليلا حتى جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة وباركته العائلة المقدسة حيث بنى دير باسم السيدة العذراء يقع على مسافة ٨ كم جنوب غرب أسيوط. ثم وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ثم فلسطين حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة في قرية الناصرة بالجليل.

وهكذا انتهت رحلة المعاناة التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ذهابًا وايابًا قطعوا فيها مسافة أكثر من ألفى كيلو متر ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة إلى جوار السفن أحيانا في النيل وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيًا على الأقدام محتملين تعب المشي وحر الصيف وبرد الشتاء والجوع والعطش والمطاردة في كل مكان فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكملة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف بفرح لأجلنا.

دلالات وبراهين:

مصر واحة الأمن ومهد الاديان

عُرفت مصر منذ فجر التاريخ بأنها واحة الأمن والأمان وموطن الحضارات ومهد الأديان. وخير مثال علي ذلك احتضانها لكثير من أنبياء العهد القديم؛ ومن بينهم إبراهيم، ويعقوب، والنبي موسي -الذي تهذب بحكمة المصريين-، ويوسف الصديق - الذي جاء إلى مصر أيام فرعون حتى أصبح وزيرًا_؛ بل نجد أكبر مثالاً على أن مصر خطاها الأنبياء والقديسون هو رحلة العائلة المقدسة، وقد سارت العائلة المقدسة في البلاد من أقصاها إلى أقصاها لتباركها، ولكي تحطم الوثنية بأصنامها وتغرس غرسًا روحيًا مباركًا يدوم مع الزمن.احتمت العائلة المقدسة في حضن مصر وباركت أرضها. فقد نشرت جامعة كولون بألمانيا لأول مرة بردية أثرية ترجع إلى القرن الرابع الميلادي تتحدث عن فترة وجود السيد المسيح والعائلة المقدسة في مصر؛ مؤكدة أن طفولة السيد المسيح استمرت ثلاث سنوات وأحد عشر شهرًا. وقد كُتبت البردية باللهجة القبطية الفيومية، وتؤكد أحد المصادر المهمة أن البردية تؤكد أن البركة قد حلت بمصر وأن شهر بشنس هو أكثر شهور السنة بركة؛ لذا نجد الكنيسة القبطية تحتفل في اليوم الرابع والعشرين منه_ والذي يوافق 1 يونيو_ من كل عام بذكري دخول العائلة المقدسة إلى مصر.

مصر بلد السلام

تحمل رحلة العائلة المقدسة لمصر الكثير من المعاني والقيم التي يجب أن يتحلى بها الجميع، أهمها أن مصر بلد للسلام والاطمئنان، وأن رحلة المسيح فيها ملأت ربوعها بالبركة؛ فكل الأديان السماوية أكدت أن مصر هي واحة الأمان. كما تتمثل العظة الكبيرة من هذه الرحلة في الاقتداء بهؤلاء العظماء في طريقة معيشتهم البسيطة وتعاملهم بالمودة مع الناس؛ فمصر هي أرض التعايش والضيافة، أرض اللقاء والتاريخ والحضارة والسلام، وهي الأرض المباركة عبر العصور بدم الأبرار والشهداء الثمين؛ فهي التي عاش فوقها القديس يوسف، والعذراء مريم والطفل يسوع والكثير من الأنبياء.

ويُقال أيضًا إن الأوثان ارتجفت آنذاك في عهد الرومان من هيبة يسوع، وتزلزلت الأرض تحت أقدامها ومالت بثقلها الحجري فتحطمت وتكسرت أمام رجلي الصبي القادم على مصر. وقد روي المؤرخون هذه الحادثة أيام حكم الرومان فقالوا: "إن الأصنام كانت تتكسر لدي ظهوره أمامها والبراري أفقرت من شياطينها، وذابت قلوب كهنة الأصنام خوفًا وهلعًا فهرعوا إلى حكام مصر لينصروهم على القادم الصغير ولكنه لم يكن سلطان الظلمة له سيطرة عليه".

وفي أثناء هروب العائلة المقدسة من بلدة إلى أخري، كان يؤمن بعض المصريين بيسوع ولكنه كان يجد الكره والعداوة من بعضهم الآخر ومن كهنة الأوثان وخدامها لفقدهم أرزاقهم؛ فحلت على الأولين بركته وحلت على الآخرين هيبته. وكما تحطم تمثال داجون أمام تابوت العهد المقدس سقطت التماثيل عند مجيء يسوع، فلم تقو على مواجهة حضوره.

 مصر الحضارة والانسانية

تحمل هذه الرحلة في طياتها دلالات ومعان حضارية، وتاريخية وثقافية؛ بل تحمل أيضًا مفاهيم إنسانية راقية؛ وتتمثل المعاني التاريخية في أنها تحمل تراثًا إنسانيًا عظيمًا هو ملك لكل إنسانية، وروعته أن هذا الحدث التاريخي والتراثي جرى في مصر - التي تمثل قلب العالم. وقد تمثل المعني الديني والروحي في البعد الكتابي، حيث وردت نصوص عنه في العهد الجديد، ووردت نبوءات عنه في العهد القديم. كما أن هناك بعدًا وحقيقة أثرية، فما زالت هناك أثارًا تؤكد مجيء العائلة المقدسة لأرض مصر منها أديرة، وكنائس أثرية، وهياكل، ومذابح أثرية، ومغائر دينية، وصخور، وأحجار، وآبار وأشجار. وهذه الأثار تمتد على طول البلاد الواقعة على مسار الرحلة ويضاف لذلك الأيقونات الأثرية، والمخطوطات والقطع الفنية، والأديرة والكنائس الأثرية القديمة.

وهناك أيضًا بعد حضاري يمثل جزءًا من الهوية المصرية وتلامسًا مع البعد التاريخي، فرحلة العائلة المقدسة في أرض مصر هي من المكونات الأساسية للحضارة المصرية القبطية بل زادت أهمية أرض مصر بين العالم لأنها أرض الطيبة التي قدمت الحماية واحتضنت العائلة المقدسة منذ وقت مبكر من التاريخ، بل بني في معظم مسار العائلة المقدسة الأديرة والكنائس التي عمرت مصر بالإيمان بالله، كما حملت قيمًا إنسانية رائعة تتمثل في المحبة، والسلام والتعايش علي أرض مصر.

 المشروع القومي لمسار العائلة المقدسة:

انطلاقا من توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعمل الحكومة المصرية على تذليل جميع العقبات أمام المشروع القومي لإحياء مسار العائلة المقدسة، حيث يمثل مسار العائلة المقدسة إضافة هامة للمزارات السياحية خصوصا السياحة الدينية باعتبار أن طريق المسار يعد أحد المقاصد الدينية التاريخية.

تطوير 25 موقعا أثريًا

تستهدف الخطة التنفيذية للمشروع تطوير 25 موقعًا أثريًا تتضمن المناطق الأثرية التي سارت وعاشت فيها العائلة المقدسة بالمحافظات خلال رحلتها لمصر، وبحث وتذليل أى معوقات تقف أمام تنفيذ المشروع، بالإضافة إلى تقديم كل محافظة رؤيتها فيما يخص التطوير خلال الفترة المقبلة، واحتياجاتها لوضعها فى الخطة التنفيذية.

أهمية المشروع

يعتبر هذا المشروع المهم من أهم المشروعات القومية التي تحمل الخير لمصر، ويحظى باهتمام الدولة وكافة الجهات المعنية لتنشيط السياحة الدينية، ودعم الاقتصاد المصري وتوفير فرص عمل وتطوير البنية التحتية. الجدير بالذكر أنه سيتم إنشاء كيان مسئول عن الإشراف على تنفيذ كافة الأعمال المطلوبة لتطوير مسار العائلة المقدسة يضم ممثلين من وزارتي السياحة والآثار والكنيسة ومجلس النواب والإشراف على أعمال الصيانة الدورية لهذه المناطق.

ينقسم المشروع إلى عدة مراحل، وتضم مرحلة التشغيل التجريبي لعدد خمسة مواقع آثرية فى محافظتي القاهرة والبحيرة وهى كنيسة أبوسرجة فى مصر القديمة وكنيسة العذراء فى المعادى وأديرة وادى النطرون الثلاثة (دير السريان – الباراموس – الأنباء بيشوي)، كما تتضمن المرحلة الأولى أديرة جبل الطير والمحرق ودرنكة بمحافظتى المنيا وأسيوط، كما تتضمن المرحلة الثانية باقى محافظات المسار مثل تل بسطا فى الشرقية وسخا بكفر الشيخ وسمنود بالغربية.

إن مسار العائلة المقدسة ليس مجرد مشروع سياحي، ولكنه محور عمراني متكامل، حيث إن الآثار الإيجابية المتوقعة له تشمل تنمية المجتمعات الفقيرة والمهمشة بطول المسار، وذلك بتوفير فرص العمل المتناهية والصغيرة، بعد أن يتم تدريب الصناع والحرفيين بالمجتمع المحلى على انتاج السلع السياحية، كما تشمل الفوائد أيضًا دخلاً سياحيًا كبيرًا، وتنمية للمجتمعات العمرانية التي تخدم السكان المحليين، بالإضافة إلى الزائرين حيث ستكون هناك طرق جديدة، فضلا عن تجميل المناطق المحيطة بتلك المواقع بطول مسار رحلة العائلة المقدسة، الذى يمتد إلى 3500 كيلو متر (ذهابا وعودة)، ويشمل تنمية 25 موقعا عمرانيا من شمال سيناء شرق البلاد وحتى مصر الوسطى عند أسيوط. 

إن الدولة المصرية حريصة على افتتاح مسار العائلة المقدسة بصورة تليق باسم مصر وحضور دولي رفيع المستوى وشخصيات دينية وثقافية وسياسية كبرى بعد استكمال كافة مراحل البنية التحتية للمشروع والحفاظ على ما تم إنجازه بكافة المحافظات خلال الفترة الماضية، وهو الأمر الذي يجب أن يستمر ويتم وفقًا للتوقيتات المحددة لتنتهي مختلف محافظات الجمهورية في أقرب وقت من كافة الأعمال المحددة بمسارات المشروع المختلفة.

وقد تم تكليف هيئة التنمية السياحية بالاستمرار في دراسة الأسلوب الأمثل لوضع البرامج الخاصة بالترويج لنقاط المسار وبحث إنشاء شركة لإدارة المشروع، كما تم الاتفاق على أن يكون جهاز التنسيق الحضاري استشاري عام للمشروع.واتفقت كافة اجهزة الدولة المشاركة في هذا المشروع الضخم على إعطاء المزيد من الاهتمام بتحسين مخرجات المشروع ليتواكب الافتتاح مع مناسبة دينية هامة خلال الشهور القادمة.

اخبار متعلقه

الأكثر مشاهدة

التحويل من التحويل إلى